أضف النص الخاص بالعنوان هنا

الإضراب من جديد، أين يكمن الخلل؟

الإضراب من جديد، أين يكمن الخلل؟

الحبيب استاتي زين الدين، استاذ جامعي

هذا هو السؤال الذي يعاد طرحه اليوم عندما نرى الأساتذة بالشارع العام يحتجون ضد النظام الأساسي الجديد “الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية” بدل التواجد بالأقسام رفقة تلامذتهم؟

ينبع هذا التساؤل، اليوم، من اعتبارين اثنين على الأقل:

أولهما معدّ هذا النظام، المفروض أن تسعفه خبرته في الخروج بالنظام الأساسي إلى بر “الأمان”. وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الحالي، ووزير الداخلية السابق، وسفير المملكة المغربية بفرنسا، ورئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد الذي توقّع مع فريقه أن يحرر هذا النموذج طاقات المغاربة ويستعيدوا الثقة في بلدهم ومؤسساتها لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع. وتكفي نظرة خاطفة على هذا التقرير لنصاب بخيبة أمل. فالسيد بن موسى هو نفسه الذي أشرف على كتابة التقرير الذي جاء فيه: “فيما يتعلق بالتعليم، وهو الموضوع الذي تتمحور حوله معظم الانتظارات، يتم التأكيد على إعادة تأهيل المدرسة العمومية، من خلال تحسين جوهري لجودة التعلمات وتكييفها مع احتياجات سوق الشغل، وذلك من خلال الرفع من الكفاءة البيداغوجية للمدرسين”، ويتابع: “إن النموذج التنموي الجديد يدعو إلى نهضة تربوية حقيقية لتحسين جودة التعليم بشكل جوهري وإعادة وضع المدرسة hلعمومية في صلب المشروع المجتمعي للمغرب. في أفق 2035 ، يجب أن يمتلك أزيد من 90 % من التلاميذ المهارات المدرسية الأساسية عند نهاية مرحلة التعليم الابتدائي، مقابل أقل من 30 % حاليا.” فكيف ستتحقق هذه النهضة؟ من حق الوزارة أن تتبنى مقاربة التدبير بالنتائج التي تعتبر الموارد البشرية، وفي مقدمتها المدرس، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن نتائج التعلمات لجميع المتعلمين والمتعلمات، لكن تفعيل ذلك يتطلب مجهودا جبارا مزدوجا: من جهة الحوار والإنصات والتواصل البناء، ومن زاوية تحسين الوضع الاعتباري والمادي للمدرس على الأمدين القريب والمتوسط؟

أما الاعتبار الثاني، وهو شديد الارتباط بالأول، فله علاقة بالبرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأقصد تحديدا الالتزام الرابع “مدرسة عمومية منصفة لأطفالك” الذي تضمن خمسة إجراءات. ولأنهم يقدمون أنفسهم على أنهم “أناس عمل لا خطاب”، لنقف قليلا عند الإجراء الأول (رقم 16 حسب البرنامج) الخاص برد الاعتبار للمدرس.

وحينها كانوا يعتقدون أنه “إذا لم يعد الاعتبار لمهنة التدريس فلن تكون جودة التكوين المقترح كافية لاستقطاب التلاميذ المتميزين الحاصلين على شهادة الباكلوريا. يتقاضى أستاذ التعليم الابتدائي عند الالتحاق بعمله أجرة صافية شهرية تناهز 5,000 درهم. إضافة إلى ذلك، فإن نظام تطور الأجور يقوم اليوم أساسا على معيار وحيد هو الأقدمية، ما لا يكفي كحافز على بذل المزيد من الجهود. وترتفع أجرة أستاذ في المغرب في المتوسط بنسبة % 170 طيلة مساره المهني مقابل % 14 فقط في تركيا و% 41 في إسبانيا. لذلك، فإن إعادة الاعتبار لمهنة التدريس تمر بالضرورة عبر أجرة مغرية أكثر في بداية المسار، ومواكبة طيلة هذا الأخير، وتقييم منتظم للكفاءات. واقترحوا “كحد أدنى للأجرة الصافية الشهرية 7,500 درهم بالنسبة لحملة شهادة التأهيل التربوي من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. وإن هذه الزيادة البالغة 2,500 درهم في أجرة بداية مسار الأستاذ ستتيح الرفع من جاذبية مهنة التدريس. فما الذي تغير بعد سنتين ونصف من التدبير الحكومي لقطاع التربية الوطنية؟ وهل النظام الجديد الذي صادقت عليها الحكومة سيحقق التحفيز والجاذبية وسيضمن الكرامة؟ لا أدعي ذلك دون تنسيب، والشواهد على ذلك كثيرة ومتنوعة. ولنأخذ الزيادة والتوحيد مثالين لشرح ذلك، مع العلم أن هناك أمثلة عديدة تكشف هشاشة النظام وتسرع معديه. فالزيادة لم تتحقق، والتوحيد الموعود ما يزال محاطا بالتباسات عدة. ولنكن صرحاء.

صحيح أن من يترسم يستفيد من نفس الحقوق ونفس الواجبات بغض النظر عن فئته وانتمائه الوظيفي، غير أن القول بأن فئة الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أدمجت في الوظيفة العمومية مجانب للصواب. الدليل على ذلك هي المواد الأولى (المادة الأولى والثانية والثالثة) من النظام الأساسي الجديد. فالمادة الأولى تنص صراحة أن الموارد البشرية للوزارة تشمل موظفي القطاع وأطر الأكاديميات. والمادة الثانية تنص أن تدبير فئة الموظفين من مسؤولية الوزارة أما تدبير فئة أطر الأكاديميات فيتم من طرف الأكاديميات وهو ما يتوافق مع قانون هذه الأخيرة الذي تم تعديله بمرسوم بشكل استعجالي في شهر غشت الماضي. أما المادة الثالثة ففصلت نهائيا في أمر الفئتين عندما أكدت أنه “تسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة، التي لا تتعارض مع مقتضيات هذا المرسوم.” بالإضافة إلى ذلك، ستظل المناصب المالية المحدثة لأطر الأكاديميات في قانون المالية ضمن باب المعدات والنفقات المختلفة ويتم تمويلها من الإعانة التي تمنحها الدولة للأكاديميات.

تبعا لهذين الاعتبارين، يتبين أن سقف طموحنا ما يزال منخفضا ومعرضا حاليا لتراكم الخيبات والنواقص ما دام أن مهنة المدرس، ومعها أيضا “مهنة” التلميذ، لا تلقى التقدير الذي تستحقه فعلا الآن وغذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار

فيديو