كتبت صحيفة “دكار تايمز” السنغالية أن المملكة المغربية حققت خلال السنوات العشرين الماضية “قفزة كبيرة على المستوى الاقتصادي” وأصبحت “قوة تتجاوز حدود إفريقيا”.
وأكدت الصحيفة السنغالية في ملف خاص حول المغرب أن “الخريطة الدبلوماسية المغربية اتسعت في السنوات الأخيرة. واليوم يكاد يكون من المستحيل الحديث عن الجغرافيا السياسية في شمال إفريقيا دون الاشارة الى المغرب”.
وأضافت الصحيفة نقلا عن دراسة نشرها معهد الدراسات الجيوسياسية التطبيقية تحت عنوان “المغرب: ملامح قوة جديدة”، أن “المملكة على وجه الخصوص لها تأثير إيجابي على جميع المستويات تقريبا في البلدان الافريقية الأخرى ، ولا سيما في منطقة جنوب الصحراء وخارج القارة الافريقية، يتم الحديث أيضا عن المغرب على المستوى الدولي”.
وشدد كاتب المقال على أن “النجاحات البارزة في تنفيذ سياسات التنمية العمومية قد أفضت الى خلق بيئة من التطور الاجتماعي للمواطنين المغاربة والأجانب”، مشيرا إلى أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس “أوجد دينامية وطنية حول مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وأضافت أن “المغرب ، باعتباره مثابة للسلام والأمن، استطاع أن يفرض ريادته حتى خارج الحدود الإفريقية. وتأثيره الدبلوماسي وقوته الناعمة المتسمة بالدينامية جعلت المملكة الشريفية متألقة، والتي أضحت اليوم إحدى أكبر القوى الافريقية” ، مشيرا إلى أن التوجهات الدبلوماسية الجديدة للمغرب “أكسبته النجاح في العديد من القضايا ، لا سيما قضية الصحراء الغربية المغربية”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “المغرب ، كبلد عربي وإفريقي وجنوبي ، أقام مع شعوب ودول إفريقيا جنوب الصحراء علاقات منذ عدة قرون ، كما أن المملكة المغربية تعد من مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية ،حيث استضافت مؤتمر الدار البيضاء في يناير 1961، وعلاوة على دعم المغرب التضامني لكفاح البلدان الإفريقية من أجل التحرر والروابط التاريخية والثقافية وأيضا الدينية، فإن الارتباط بين المغرب ودول القارة يقوم على أساس شراكة اقتصادية وسياسية واستراتيجية ما فتئت تشهد نموا “.
وأكدت الصحيفة السينغالية أنه “على الرغم من انسحاب المملكة المغربية من منظمة الوحدة الإفريقية ، إلا أن البلاد تمكنت منذ عشر سنوات من وضع استراتيجية تجاه القارة”، مبرزة أن “إفريقيا جنوب الصحراء تشكل أولوية بالنسبة المغرب منذ سنوات 2000، فبالإضافة إلى العلاقات الشخصية التي أقامها الملك الراحل الحسن الثاني مع العديد من رؤساء الدول ، جعل الملك محمد السادس إفريقيا من أولويات سياسته الخارجية”.
ووفقا للصحيفة فإنه “يمكن رصد العديد من المؤشرات القوية خلال العقود الأخيرة ، والتي تشهد على تنامي مكانة إفريقيا جنوب الصحراء في السياسة الخارجية المغربية.
وبحسب الصحيفة فإن إلغاء المغرب لديون البلدان الافريقية الأقل نموا ، وكذلك الإعفاء من الضرائب الجمركية عند ولوج المغرب ، قد شكل بداية لتحرك دبلوماسي مغربي معزز لصالح بلدان المنطقة.
من جهة أخرى ، سجلت الصحيفة أن تكريس الدستور المغربي للتعاون مع دول إفريقيا جنوب الصحراء يؤكد عودة المغرب القوية على الساحة الإفريقية، مضيفة أن ديباجة الدستور تؤكد أن المغرب يتعهد بتوطيد علاقات التعاون والتضامن مع شعوب وبلدان إفريقيا ، ولا سيما بلدان الساحل والصحراء” و “تعزيز التعاون جنوب-جنوب”.
وأضافت أن الوحدة المغربية تغذيها وتغنيها “روافدها الافريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”. وفي الواقع ، في مواجهة تنافس القوى التقليدية والقوى الصاعدة في الأسواق الافريقية ، لا يمكن للمغرب أن يظل خارج اللعبة ، فبعده الافريقي من ناحية وعلاقاته التاريخية والعريقة مع مختلف بلدان القارة، من ناحية أخرى ، تسمح له بلعب دور كبير والإسهام بشكل فعال في تنمية القارة .
واعتبرت الصحيفة أن “التحولات المختلفة التي أحدثتها العولمة على المستويين الإقليمي والدولي تتطلب تعبئة حقيقية للمغرب من أجل ترسيخ مكانته وتعزيزها في إفريقيا”.
وذكرت في هذا الصدد أنه منذ عام 1999 وحتى نهاية عام 2017 ، قام الملك بثلاث وخمسين زيارة إلى سبعة وعشرين بلدا إفريقيا. وعلاوة على الحلفاء التقليديين للمغرب ، “قام جلالة الملك للمرة الأولى بزيارة ثماني بلدان، من بينها أربع دول في شرق إفريقيا (إثيوبيا وتنزانيا ورواندا وجنوب السودان) واثنين في افريقيا الجنوبية (مدغشقر وزامبيا) واثنين في غرب إفريقيا (نيجيريا وغانا)”.
وتابع كاتب المقال أن الزيارات الملكية إلى إفريقيا تدشن حقبة جديدة في التعاون المغربي -الافريقي وتهدف إلى تعزيز تعاون جنوب-جنوب فعال ، والذي يتمثل هدفه الرئيسي في “تطوير نموذج للتعاون الاقتصادي مفيد للطرفين ، وتحسين الظروف المعيشية للمواطن الافريقي”.
وأضاف إن ذلك يشكل “رمزا للمكانة المتنامية لافريقيا في السياسة الخارجية للمغرب وفي الدبلوماسية الملكية. ومن الواضح أن السياسة المغربية تجاه إفريقيا أثارت مخاوف بعض القوى ، التي تابعت عن كثب زيارات الملك إلى إفريقيا” ، مشددا على أن”توقيع اتفاقيات وعقود بين أرباب العمل المغاربة وعالم الأعمال في إفريقيا لم يستسغه الجميع”.
وبخصوص التعاون جنوب-جنوب ، وهو أساس لسياسة المغرب الافريقية في سياق خاص يتسم بضعف التعاون بين الشمال والجنوب ، سجلت الصحيفة أن “التعاون المغربي- الافريقي قد نما في ظل هذه الوضعية ويهدف إلى تقديم حلول تتكيف مع السياق الافريقي”، مشيرة الى أن “التعاون المغربي الإفريقي يتميز بطابعه متعدد الأبعاد والقطاعات ، مع إيلاء اهتمام خاص للشراكة الاقتصادية” ، مشيرة إلى أن تحليل الخطب والرسائل والزيارات منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش “يتيح تحديد المكانة المتنامية التي يتم ايلاؤها لإفريقيا ولا سيما للتعاون جنوب-جنوب”.
وأشارت “دكار تايمز” الى أن الملك ذكر في عدة مناسبات أنه في ظل غياب الوسائل الضرورية ، لا يمكن التغلب على مختلف التحديات التي تواجه إفريقيا إلا من خلال التعاون والتضامن بين الشعوب الافريقية ، مبرزة أن الاحتفال بيوم إفريقيا في المغرب ، في 25 ماي من كل عام ، “يظهر مدى الاهتمام الذي تثيره إفريقيا في المجتمع المغربي”.
من جهة أخرى، أبرز كاتب المقال أن عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي في 30 يناير 2017 ، بعد مغادرة منظمة الوحدة الافريقية في 1984 ، “قد حظيت بتتبع من طرف كبار صناع القرار الدوليين “، فقد كانت هذه العودة إلى الأسرة الافريقية متوقعة لعدة سنوات لكونها تعزز صورة ومكانة إفريقيا على النطاق الدولي .
وأوضح أن حضور المغرب داخل الاتحاد الإفريقي يجعل من الممكن من ناحية إرساء توازن بين البلدان الناطقة بالفرنسية والبلدان الناطقة بالإنجليزية، ومن ناحية أخرى ، يقدم المغرب قيمة مضافة حقيقية للاتحاد الافريقي من خلال المساهمة في تعزيز مصالح القارة والدفاع عنها، مشددا على أن “الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه المغرب في مجال الهجرة هو مثال آخر على تعبئة المغرب على المستوى القاري لصالح التعاون جنوب-جنوب” كما أنه في سياق وباء كوفيد -19 ، أظهر المغرب دينامية وتضامنا مع شركائه الافارقة و “قام بعملية إنسانية كبيرة لفائدة العديد من دول جنوب الصحراء من أجل دعم جهودها في مكافحة فيروس كورونا .
وذكرت الصحيفة أن عددا من رؤساء الدول والسفراء والوزراء والمشاهير الأفارقة قد عبروا عن تقديرهم وامتنانهم للمبادرة المغربية، مشيرة إلى أن العديد من المنظمات الدولية أشادت بالدعم المادي الذي قدمه المغرب لعدة دول في إفريقيا جنوب الصحراء ، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة التي “أشادت بالتضامن والعمل الإنساني تحت رعاية الملك بهدف دعم مكافحة وباء كوفيد -19”.