تشكل الوداديات السكنية، في السنوات الأخيرة، ملجئا لالاف الأسر التي تبحث عن سكن أو قبر للحياة، بتكلفة أقل، حيث تدفع أقساط مالية حسب إمكانياتها المالية، بعيدا عن ضغط البنوك وفوائدها الصاروخية عن القروض، كما تستفيد من تسهيلات في الأداء، وهذا شيء طبيعي إذا استحضرنا أن الودادية في الأصل، تعتمد في مبادئها الأساسية على التضامن والتكافل بين المنخرطين من أجل توفير وعاء عقاري، وبنائه بعيدا عن تحقيق أي أرباح وراء ذلك، كما تتميز هذه الوداديات التي هي جمعيات في الأصل، متعتها الدولة بعدة امتيازات خاصة على المستوى الضريبي والعقاري، بمساهمتها الفعالة في توفير مشاريع سكنية ضخمة وبأثمنة معقولة مقارنة مع مشاريع سكنية لباقي المتدخلين في القطاع.
لكن الملاحظ، أيضا، في السنوات الأخيرة، هو متابعة مجموعة من أعضاء المكاتب المسيرة لهذه الوداديات أمام القضاء، بتهم الإختلاس والنصب، وتهم أخرى، وصدور في حقهم أحكام وصلت إلى 10 سنوات سجنا، دون الحديث عن الضحايا، الذين يجدون أنفسهم بين عشية وضحاها بدون سكن، وأن كل مادفعوه من تسبيقات مالية ذهبت أدراج الرياح، إلا أن هذا الأمر لاينطبق على كل الوداديات، التي نجحت إلى حد كبير في إنجاز ماوعدت به منخرطيها، الذين تسلموا شققهم، كما هو الحال بالنسبة، ل”ودادية الحمد للسكن بالمنصورية” التي أشرفت على المشروع السكني المسمى “أبواب البحر”، التي وصلت الأشغال فيه إلى نسبة 99 في المائة، بشهادة الخبير المختص الذي عينه قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بابن سليمان، وكذا من خلال تقرير المهندسة المعمارية المشرفة على المشروع، وأن 99 في المائة الثابتة تهم الأجزاء المفرزة أي شقق المنخرطين، ولا علاقة لها بالأجزاء المشتركة من حديقة ومسبحين وممرات، لأن عقد الانخراط بين الودادية وكل منخرط هي بناء شقة نصف مجهزة (سومي فيني فقط، ولا يشمل المبلغ الذي يساهم به المنخرط الأجزاء المشتركة)، وقد أكملت الودادية المطلوب طبقا لعقد الانخراط مع جميع المنخرطين.
كما أن 160 منخرطا راضون عن المشروع، ومنهم 100 منخرط تسلموا شققهم نصف مجهزة وشرعوا في تشطيبها (فينيسيون) من مالهم الخاص حسب عقد الانخراط.
فهل يعقل أمام كل هذه المعطيات، وأخرى، أثبتثها المحكمة نفسها، من خلال الخبرة الحسابية التي أمرت بها، أن يتم الرمي بأعضاء المكتب المسير بالودادية في السجن، بعد أن قضت ابتدائية بنسليمان، ببراءة أعضاء المكتب من جنحة النصب والاحتيال ومن جنحة خيانة الأمانة، وحكمت على الرئيس وأمين المال بخمسة أشهر حبسا نافذا بسبب سوء التدبير للمشروع، كما حكمت على الكاتب العام والمستشار بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ بنفس التهمة (سوء التسيير).
وما معنى أن يستقبل عشرات المنخرطين، أعضاء المكتب المسير بعد استكمال عقوبتهم الحبسية بالورود والزغاريد، ويقيموا لهم حفلا خاصا، قامت بتنشيطه مجموعة موسيقية، حيث عبر المنخرطون عن تضامنهم معهم ومساندتهم في محنتهم وتشبتهم بهم.
ويبقى السؤال، ماذا ربح المنخرطون من سجن أعضاء المكتب المسير؟، لاشيئ طبعا، سوى أن المشروع توقف بأكمله، وما يزال متوقفا، بعد أن رفض أعضاء المكتب استكمال أشغال المشروع، بدعوى أنهم لايستحقون السجن، ويتشبتون ببراءتهم، أكثر من ذلك ، وهذا هو بيت القصيد، فقد دعا رئيس الودادية لجمع عام استثنائي من أجل مناقشة نقطة استقالة أعضاء مكتب الودادية، وذلك يوم السبت 04 مارس 2023 على الساعة الحادية عشرة صباحا بمقر مشروع الودادية، مما يجعل مصير المشروع السكني في كف عفريت، فهل سينجح المنخرطون الذين يشكلون الأغلبية في إقناع أعضاء المكتب المسير بمواصلة تحمل المسؤولية، خصوصا وأن المشروع يوشك على نهايته، ذلك مايترقبه كل المنخرطين وأملهم الوحيد أن تنتهي كل أشغال المشروع السكني في أقرب وقت، بعد أن تسبب اعتقال أعضاء المكتب قبل شهور في توقيفه.
تجدر الإشارة، إلى أنه بتاريخ 24 غشت 2022 وبناء على شكاية ثلاثة منخرطين تتعلق بشكاية من أجل النصب والاحتيال وخيانة الأمانة والتصرف في مال مشترك بسوء نية وعدم تنفيذ بنود عقد وصنع وثيقة تتضمن بيانات غير صحيحة، أمر وكيل الملك باعتقال رئيس الودادية وأمين مالها ومتابعة الكاتب العام فيها ومستشار بها في حالة سراح، وقد قضى قاضي التحقيق بسقوط تهمتي عدم تنفيذ بنود عقد وكذا جنحة صنع وثيقة تتضمن بيانات غير صحيحة في حق المتهمين، في حين تابعهم بباقي الجنح دون أن ينتظر نتيجة الخبرة الحسابية التي أمر بها، وبعد إنجاز الخبرة تحت إشرافه واطلاعه عليها،أحالها على الملف برمته الذي كان معروضا أمام قاضي الحكم.