رواية مغربية غير باقي الروايات الأخرى، نظرا لسيمفونية حروفها السردية التي غاصت بنا في تفاصيل وحل واقع مرير عانت منه إحدى القبائل المحلية بعمق المغرب الشرقي وهي تركع تحت ظروف قهر إستبدادي شنيع؛ مثله من جهة أولى الداهية الفقيه وما يمثله من رمزية دينية ومثلته من جهة تانية عوالم الخرافة التي زكى تأثيرها القوي؛ فعل الهيمنة الموشوم بالهيبة لكرامات الولي الفقيه وطقوسه الشيطانية. لتهيم بنا أحداثها في ظل نسيج تطورات خطيرة دفعت بالناس إلى الإستسلام والخنوع لمنطق قوة السلطة الوهمية الممزوج برائحة الخديعة والمكر. غير أن أسرة الميلودية المرأة القرويةالعنيدة المشاكسة أبت إلا أن تكسر القواعد وترحل هي وأسرتها بحثا عن إنعتاق وتحرر تتوقان إليه بعيدا عن قريةدوار أولاد مريم. وهو ما تؤلفه سرديات النسق الحكائي من الفصل الأول إلى الفصل16 الذي يشكل لوحده رواية تخص مآل وتطور عائلة الميلودية وابنها محمد وإقلاعهما نحو أفق مستقبل غني بالمال والجاه والنفود بل واقتحام أركان السياسة والتمثيلية النيابية
لتبدأ فصول أخرى في الفصل 17: تخص مغامرة الشرقاوي ابن الميلودية الذي فارقته الأقدار عن أسرته يوم الفرار الأكبر ليركن إلى عائلة الحاج كخادم وفي، أمين،ملتزم. لم تغير من أخلاقه ومبادئه صروف الدهر وتلويناتها ولا حتى غوايات الصالحة زوجة الحاج التي راودته على نفسه وتسللت إلى جوانحه لعلها تسقط شموخه غير أنه ما رضي بتفاهات الأهواء ولا هو باع قيم أخلاقه واستمر أمينا على أملاك الحاج حمادي صالح إلى أن وافته المنية بذاك الشكل المأساوي ودخول زوجته الصالحة إلى مارستان الحماق لتلقى مصيرها المحتوم في عالم المجانين وبالرغم من ذلك ظل الشرقاوي كالنبتة الصالحة المنغرسة في بيئة الصلاح لاتؤتي غير أكل الفعل الصالح وهو ما ستنتهي به قصة الشرقاوي في الفصل 22.
ويعود بنا الفصل 23 مستأنفا تراتيل أقصوصة الحاجة الميلودية أو ميلودة التقشيرة التي تحولت بفعل تمدنها وتحضرها المتوحش رفقة ابنها محمد زعيم عصابات الفتوة إلى الحاجة ميلودة ذات الصيت الذائع والجاه الكبير ونفود معارف علية نساء المال كما سيتحول رفيقتها ابنها البار إلى نائب برلماني بعد أن أقحمه الحاج عيسى صاحب الفضل عليه بوابة السياسة ودفعه لتأسيس حياة جديدة قوامها اليسر والغنى والعيش مع الأغنياء.
رواية أديبنا الكبير عبد الواحد كفيح رواية تشدك من أولى فصولها إلى نهايتها بأسلوبه البلاغي الفريد من نوعه والمليء بجمالية النسق السردي الغارق في وصف التفاصيل ونحث جزئيات الأحداث لدرجة أن أي قارئ سيندمج مع حلاوة دفق تسلسل الحكي ويتشبع بزخارفه وتنميقاته.
ولا يفوتني بهذه المناسبة أن أنوه بحرفية الكاتب في السرد الذي ينهل من تناص عبارته من متن القرآن الكريم وهي مهمة لا ولن تتيسر لكل الأدباء بل هي قمة عالية ومرموقة من تمكن آليات الكتابة الأدبية الراقية.
وعلى خلاف من رأى بأن رواية أتربة على أشجار الصبار رواية قد ختمت نهايتها بشكل تام، أرى أن حكاية الشرقاوي تلك الأقصوصة الصغيرة في الرواية الكبيرة لم تنتهي بل لا زالت تحتفظ لنا بتوقعات أخرى وبمجريات أحداث أخرى أتمنى أن يشتغل عليها كاتبنا الكبير في جزء تاني.
رواية عبد الواحد كفيح بمتابة خلطة تربة محلية مزج فيها أديبنا الكبير بين مجموعة من المواضيع الراهنة التي نعيشها والتي حولت الكثير من الأشباح إلى رموز سيادة وتحكم وكيف أن المدينة تحولت إلى عروش أسقف حضرية بنسق قروي عشوائي تغيب فيه النية الصادقة وتستبذل بالمكر والنفاق والتسلق وما الحكي في الرواية سوى نفض لأتربة عالقة على أشجار صبار طاهرة.